أصل دلالة الأمر على الوجوب
أصل دلالة الأمر على الوجوب
أمّا المقام الأوّل: فقد حاول بعض الاُصوليّين أن يستدلّ على ذلك بجملة من الآيات والروايات من قبيل قوله تعالى: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ)(۱)، وما كان من قبيله من الروايات بتقريب: أنّ عنوان الأمر اُخذ موضوعاً للتحذّر، ومن الواضح: أنّ ما هو موضوع التحذّر إنّما هو الأمر الوجوبيّ دون الاستحبابيّ، فلو كان الأمر معناه مطلق الطلب ولو كان استحبابيّاً، لما كان يقع بإطلاقه موضوعاً للتحذّر.
ويرد عليه: أنّ الأمر ـ في الحقيقة ـ دائر بين التخصيص والتخصّص، وإنّما يتمّ الاستدلال بهذه الآية وما كان من قبيلها من الروايات بناءً على تعيّن التخصّص، بأن يقال: لابدّ من افتراض كون خروج الأمر الاستحبابيّ منها تخصّصاً لا تخصيصاً، بينما لا سبيل إلى إثبات ذلك. أمّا بناءً على مبنى عدم جريان أصالة عدم التخصيص عند الدوران بين التخصيص والتخصّص كما هو مبنى صاحب
(۱) سورة النور، الآية: ٦۳.
وعلى أيّ حال، فنحن في غنىً عن مثل هذا الاستدلال على دلالة الأمر على الوجوب؛ إذ لم يتحصّل إشكال معقول على دلالته على الوجوب، ولم يستشكل فقيه في لفظ أمر ورد من الشارع في فهم الوجوب منه عند عدم القرينة على الاستحباب، ويكفينا التبادر، ولا إشكال عند العقلاء والموالي العقلائيّة أنّهم يرتّبون آثار الوجوب عند صدور مادّة الأمر ممّن يفرغ عن مولويّته، وليس ذلك إلّا لدلالة العرف والوجدان على ذلك. نعم، ما يتعقّل البحث فيه هو نكتة هذه الدلالة، وهو البحث في المقام الثاني.